روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 34

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الرابع و الثلاثون”
___________

“أما بعد، كل ما أنتصرتُ به في حياتي هُزم أمام براءة عيناكِ”
___________

كيف لا أحبك وأنا عيوني أصيبت بالعمى عن الجميع ويوم عاد بصرها، كنت أنتَ أول ما رآت، أخبرني كيف لقلبٍ لم يهدأ إلا بجوارك، وعقلٍ لم يجد طمأنينته إلا بكنفك ولا أحبك.

بعدما قام «وليد» بإثارة حنق عمته تركها وذهب إلى الشباب مرةً أُخرى، أما النساء فـصعدن إلى الشقة المخصصة لهن، نظرت «عبلة» حولها فألتقت أعينها بأعين «هدير» لم تستطع «عبلة» التحكم في دموعها، فركضت إلى غرفة من الغرف الموجودة بالشقة،سحبت «هدير» نفسها بهدوء خلفها ودخلت الغرفة التي تقبع عبلة بداخلها، نطقت بنبرة مهتزة:

“عـ..عبلة ، أنتِ كويسة؟”

نظرت لها «عبلة» نظرة حادة ولم تُجيبها، بينما «هدير» حاولت الإقتراب منها، فصرخت «عبلة» بوجهها وهي تقول:

“إبــعـدي عــنـي..مش عاوزاكِ تقربي مني تاني، فاهمة”

حركت «هدير» رأسها نفيًا بهدوء وقالت بتمثيلٍ مُصطنعٌ:

“أنا عملت كدا علشانك والله، كنت عاوزة أساعدك”

وقفت «عبلة» متأهبة وهي تقول:
“واللهِ؟ بتساعديني، فتدمري سمعتي؟ ولا إنك تخلي شكل أخويا و خطيبي زفت قدام صاحبهم، ولا إنك تستغلي واحد زي شهاب، ردي عــلـيـا”

خرجت كلمتها الأخيرة بصراخ، مما جعل جسد «هدير» يجفل بقوة، بينما «عبلة» مسحت دموعها وقالت:

“للأسف مفيش عندك رد، عارفة يا هدير أنا طول عمري طارق يحذرني منك، و وليد كمان، دا حتى سلمى و خلود، وأنا اقولهم هدير لو زعلت الدنيا كلها، مستحيل تزعلني، هدير دي أختي وصاحبة عمري، وكلهم يكدبوني، مش عارفة أنا كنت واثقة فيكِ إزاي”

رفعت «هدير» رأسها وهي تقول بصوتٍ متأثر بعض الشيء:
“والله كنت فاكرة إنك مش بتحبي وليد، وكمان أنا عارفة إن شهاب بيحبك بجد، بكرة لما تعرفي حقيقة وليد هتندمي والله”

صرخت «عبلة» بوجهها وهي تقول:
“بـــس، مش عاوزة أسمع صوتك، متجبيش سيرته على لسانك تاني، لاهو ولا خديجة، على الله أسمع منك حاجة عليهم تاني”

نظرت لها «هدير» بتعجب وهي تقول:
“هما لحقوا يقلبوكي عليا يا عبلة؟ غسلولك مخك؟”

إبتسمت لها «عبلة» بسخرية وهي تقول:
“اللي مش عاجبينك دول، ضحوا بكل حاجة علشاني، وليد دا إستحمل مني أسلوب زفت وكلام يتعب أي حد ومع ذلك برضه صبر عليا، وخديجة اللي كنتِ بتقوليلي بتغير مننا وبتكره قربنا من بعض، دي بقى طول الليل أنا نايمة في حضنها، وفي كتب الكتاب مسابتنيش رغم إنها بتخاف من الزحمة والناس، لأ و كمان كانت بتقولي متخافيش دا كتب كتاب عادي وهي نفسها يوم كتب كتابها كانت مرعوبة، خديجة اللي كسرنا بخاطرها أكتر ما إتنفسنا”

رفعت «هدير» حاجبها وهي تقول:
“دلوقتي بقت حبيبتك؟ ولما هي حلوة أوي كدا، كنتِ بتوافقي على اللي بعمله ليه ولا هو كلكم بقيتوا ملايكة في الأخر؟”

نظرت لها «عبلة» غير مصدقة لما تراه أمامها ثم قالت:

“أنا مش مصدقة والله، أنتِ مريضة نفسيًا، عمتك مُشيرة شربتك الكره اللي جواها كله، ربنا يهديكي يا هدير”

إبتسمت «هدير» بسخرية ثم قالت:
“عمتك دي علمتني إزاي أعرف أدافع عن نفسي، وإزاي أكون قوية، أنا لو معملتش كدا كنت هبقى زي خديجة ضعيفة، وكل من هَب و دَب يجي عليا، حتى أنتِ هبلة وبتصدقي أي حاجة”

كانت «هدير» تتحدث وهي تنظر أمامها بغلٍ واضح، كما أن بؤبؤ عينيها كان يدور في أماكن مختلفة، نظرت لها «عبلة» بتمعن وهي تراقب تعبيراتها وتيقنت أن «هدير» تُعاني من إضطرابات نفسية، وظهر ذلك أكثر حينما سمعتها تقول:

“أنتم كلكم هنا ظالمين واللي بيسكت عن حقه بيتفرم، عمتو إتظلمت واتجوزت غصب عنها، و خديجة شالت ذنب مش ذنبها، أنا عمري ما أسيب نفسي للمرحلة دي”

إقتربت منها «عبلة» و وقفت قبالتها وقالت:
“فوقي لنفسك يا هدير، علشان هتندمي بس هيبقى متأخر أوي، سيبك من عمتك ومن كل حاجة هنا وأبدأي حياتك صح”

نظرت لها «هدير» بقوة وقالت:
“ملكيش دعوة أنتِ، كفاية أنتِ تبدأي صح، بس خليكِ فاكرة يا عبلة أنا برضه هدير”.

تركتها «هدير» وخرجت من الغرفة بثباتٍ تحسد عليه، بينما «عبلة» ارتمت على الأريكة وهي تبكي غير مصدقة لما رآته أمامها ولا ما سمعته بأذنها.
______________

حاول «وليد» الإنسحاب من الشباب ونجح في ذلك، صعد إلى الشقة المخصصة للنساء، كانت بها نساء العائلة فقط، وكانت «خديجة» جالسة أمام باب الشقة أشار لها، فخرجت هي له بهدوء، سألته مُستفسرة:

“خير يا وليد فيه حاجة؟”

أومأ لها وقال:
“آه، هي عبلة فين، مش قاعدة معاكم ليه؟”

نظرت خلفها، ثم قالت وكأنها تذكرت للتو:
“آه صحيح، ماما مروة طلعتني أجيب الجاتوه من فوق أول ما طلعنا الشقة هنا، وعبلة سبتها وسط الستات، ممكن تكون في الحمام”

شعر بالقلق ينتابه، فقال بهدوء:
“طب أنا عاوز أشوفها ضروري، أعملي أي حاجة تخليني أشوفها”

شعرت هي الأخرى بالخجل فقالت:
“أعملها إزاي دي مش هينفع يا وليد”

تبدلت ملامحه وقال مُتأثرًا:
“علشان خاطري، حاولي علشان خاطر أخوكِ”

أومأت له بقيلة حيلة ثم قالت:
“طب خليك واقف هنا، وأنا هتصرف وأرجعلك”

دخلت الشقة و ثوانٍ وخرجت له وهي تقول بصوتٍ مرتفع بعض الشيء حتى يصل للجميع:

“تعال يا وليد الحمام اللي جوة فاضي”

إقترب «وليد» من الشقة وهو يقول بإحراج:
“معلش يا جماعة، الحمام هناك مش فاضي، مضطر أدخل هنا”

أومأ له الجميع ببسمة هادئة، وأنهالت عليه المباركات حتى وصل إلى المرحاض، دخل المرحاض ثوانٍ ثم دخل الغرفة المجاورة، وجدها جالسة تبكي في هدوء، تنهد هو بضيق، ثم ذهب وجلس أمامها بهدوء وقال:

“أنا لو مش عارفك كنت قولت إنك مغصوبة عليا، عياطك دا ممكن يخليني أفهم غلط يا عبلة”

رفعت رأسها تنظر له وقالت:
“أنا بعيط علشان زعلانة من نفسي ومش قادرة أسامحها، ظلمتك وظلمت خديجة، وكمان ظلمت نفسي معاكم، أنا بجد مصدومة و..”

أجهشت في البكاء ولم تستطع الإسترسال في حديثها، فرفع هو كفه ومسح دموعها بهدوء وقال:

“كلنا علشان نكبر ونتعلم ونقدر نتصرف، لازم نمر بصدمات وكام ضربة محترمين يا عبلة، آه الضربات دي بتوجع خصوصًا لو من حد قريب منك، بس بتعلمك إن مش أي حد يستاهل طيبة قلبك، أحيانًا لازم تتعاملي بالذكاء”

سألته هي بهدوء رغم بكاءها:
“ليه يا وليد؟ لازم أعامل الناس وأنا حويطة، ليه مينفعش أعاملهم طبيعي، ليه نشغل دماغنا على بعض و نمثل على بعض؟”

أخذ هو نفسًا عميقًا ثم ربت على وجنتها بهدوء وقال:
“علشان إحنا بشر، مش ملايكة وعلشان حياتنا دي كلها قايمة على اللي بنتعلمه من اللي حوالينا”

أومأت له في هدوء وكأنها ذهبت في عالمٍ آخر، فنظر هو لها بتعجب وقال بنبرة حنونة:

“عبلة ؟ أنتِ كويسة صح؟”

حركت رأسها نفيًا بقوة ثم أجهشت في البكاء مرةً أُخرى، فأخذها هو بين أحضانه وظل يربت على ظهرها، وهو يقول بهدوء:

“عارفة، أنا عمري ما تخيلت إن يجي اليوم اللي أقدر أوصلك فيه، طول عمري حاسك بعيدة عني زي نجوم السما، من صغرنا وهما بَعدنا عن بعض علشان أنا مش أخوكِ، وكل ما كان البعد بينّا يزيد، حبك في قلبي يزيد يا عبلة، لحد ما جبت أخري وبقيت حاوي علشان أوصلك، وفي الأخر وصلتلك بس بعد ما شغلت الجمجمة”

ضحك هو على جملته الأخيرة، بينما هي خرجت من بين ذراعيه ومسحت دموعها وقالت بندم:

“أنا آسفة والله، غلطت في حقك، سامحني يا وليد”

إبتسم بسخرية وقال بعدما أشار نحو موضع قلبه:

“ياريت دا يقدر يزعل منك، ولا حتى ياخد على خاطره، أنا مش زعلان منك، أنا زعلان علشان زعلك اللي موجود لناس متستاهلش.”

أومأت له بأعين دامعة، بينما هو أخذها بين ذراعيه وقال بحنان:
“متنكديش علينا بقى، خليني أعرف أنكد على مشيرة بمزاج”

ضحكت هي بين أحضانه، فابتسم هو ثم قال:

“أيوا كدا أضحكي خلي دنيتي تنور”

خرجت من ذراعيه وهي تمسح دموعها ثم قالت
:
“أنا عاوزة أقولك هدير قالتلي إيه، علشان أنا وعدت نفسي مش هخبي حاجة عليك تاني”

أومأ لها بهدوء وهو يقول:
“أحكي، أنا سامعك”
_______________

في الخارج كانت «خديجة» تنتظر خروج «وليد» من الداخل، وحينما طال الوقت دون خروجه، قررت أن تدخل لهما، وقفت خارج الغرفة تحمحم بهدوء لكي تلفت إنتباههما،فـ هَب «وليد» واقفًا بعدما سمع ما قالته «هدير» لها، ثم قال:

“تعالي يا خديجة”

دخلت بتوتر مصحوب بالخجل وهي تقول:
“أنا آسفة أني جيت فجأة كدا، بس برة لاحظوا تأخيرك”

أومأ لها ثم قال موجهًا حديثه لـ «عبلة»:

“عبلة، أغسلي وشك من العياط وأخرجي، وأنتِ يا خديجة تعالي معايا، ولو حد سأل نقولهم أرتاحت شوية من الصداع”

أومأ له الأثنتين، فخرج هو أولًا و «خديجة» خلفه بعدما إطمأنت عليها، نظر حوله فوجد عمته جالسة مع نساء العائلة وهي تبتسم بتكلفٍ واضح وكأنها تجبر شفتيها على الإبتسام، أمعن النظر أكثر حتى يرى «هدير» لكنه لم يراها، فخرج من الشقة وذهب عند الرجال بعدما أخرج هاتفه وقام بعمل شيئًا هامًا، جلس بجانب «ياسين» و «عامر» إبتسم له «عامر» ثم قال:

“معلش بقى خالد و ياسر عندهم شغل معرفوش يجوا، بس هتتعوض في الفرح، المهم بس متعملوش مفاجأة كدا زي كتب الكتاب”

إبتسم «وليد» له ثم قال:
“لأ متقلقش الفرح ممكن يطول شوية، والبركة فيك أنتَ وياسين، ربنا يخليكم لبعض”

رد «ياسين» عليه مُبتسمًا:
“ويخليك لينا يا رب، أنتَ إبن حلال يا وليد، وتستاهل كل خير”

وقبل أن يتحدث أيًا منهم أتت «خديجة» ووقفت أمام باب الشقة، قام لها «ياسين» بتعجب وهو يقول:

“فيه حاجة ولا إيه يا خديجة؟”

نظرت له بإحباط وهي تقول:
“بصراحة كلهم سابوني وطلعوا، وعمتو في الشقة هناك معايا، خوفت منها”

نظر لها «ياسين» نظرة حادة وهو يقول:
“يعني إيه خوفتي منها؟ هي تقدر تعملك حاجة أصلًا وأنا موجود؟”

حركت رأسها نفيًا بهدوء وقالت:
“لأ مش كدا، بس نظرتها بتخوفني، وبصراحة مش مرتاحة وأنا قصادها حاسة إنها هتاكلني”

أومأ لها بهدوء ثم قال:
“إحنا قربنا نمشي كدا كدا، خليكِ واقفة معايا لحد ما أنزل”

أومأت له في هدوء ووقفت بجانبه أمام باب الشقة، إشرأب «عامر» برأسه فرأهما سويًا، فقام لهما مُبتسمًا وقال:

“ألف مبروك يا خديجة، وعقبالك أنتِ و ياسين يا رب”

رفع «ياسين» كفيه وهو يقول:
“يسمع منك يا رب يا عامر”

إبتسمت هي بتوتر وقالت:
“الله يبارك فيك يا رب عقبالك إن شاء الله”

إبتسم «عامر» ثم قال:
“ياسين هات تليفونك أصوركم سوا”

شعرت هي بالخجل فأخفضت رأسها وهي تفرك كفيها ببعضهما، بينما «ياسين» قال بمرحٍ:

“واد يا عامر أنا بحبك، ماتجيب بوسة”

نظر له «عامر» مثل الفتيات وهو يقول بسخرية:
“ولد عيب كدا، الناس تقول علينا إيه”

كانت «خديجة» تنظر لهما بتعجب وهي تبتسم بهدوء، بينما «ياسين» حمحم بإحراج وقال:
“خلاص كفاية علشان شكلنا مهزق قدام الناس، لينا بيت ميمي يلمنا”

ثم أخرج هاتفه وأعطاه لـ «عامر» وقال:
“أمسك، بس صورنا حلو بلاش الصور المتخلفة بتاعتك”

نظرت «خديجة» له بخجل وهي تقول بصوتٍ مهزوز:
“بلاش يا ياسين علشان خاطري أنا بتكسف أوي حد يصورني”

نظر لها بهدوء وهو يقول:
“هي صورة للذكرى هناخدها سوا، وإحنا شكلنا حلو كدا، ولا أروح بقى أتصور مع البت اللي عاكستني؟”

إبتسمت هي بخجلٍ وقالت:
“والله العظيم أنتَ رايق، حاضر أمري لله”

وقفت بجانبه وهي تضم كفيها معًا، وقف هو بجانبها ينظر لها مُبتسمًا، نظر لهما «عامر» بضيق وهو يقول:

“إيه يا جماعة هي صورة بطاقة، مانعمل قعدة صُلح بالمرة، اقفوا عدل”

مال «ياسين» على أذنها وهو يقول:
“أعملي أي منظر، أمسكي إيدي متخليش عامر يشمت فيا”

حركت رأسها نفيًا بقوة ثم قالت:
“لأ هو حلو كدا، و احمد ربنا أني هتصور أصلًا”

تبدلت نظرته إلى الخبث وأشار لـ «عامر» بيده دون أن تراه هي، ثم مال على أذنها أكثر وقال بنبرة هادئة:

“هو أنا مقولتش لكِ رأيي في الفستان دا صح؟”

إبتسمت هي بهدوء وحركت رأسها نفيًا، فوكزها بكتفه في كتفها وهو يقول:
“طب بصيلي طيب علشان أقولك شكلك عامل إزاي فيه؟”

رفعت رأسها تنظر له بتوتر فوجدته ينظر لها بحب وهو يقول:
“شكلك فيه زي القمر، وفيه حاجة كمان عاوز أقولهالك”

إبتسمت بخجلٍ وأخفضت رأسها مرةً أُخرى، بينما هو أكمل حديثه قائلًا:
“من أول ما شوفتك بيه كنت عاوز أقولك..

سَـرىٰ طَيْفُكِ أمّامَ عَـيْني مِـن بَـعِيد، فَـخَفَقَ قَـلْبي فَرِحًا و كإنه يَـوْمُ عِـيد”

رفعت رأسها بسرعةٍ كبيرة تنظر له بِحبٌ وأعين تلمع بوميض الدهشة المُحببة لقلبها، فأشار هو لـ «عامر» حتى يلتقط الصورة، وبالفعل أُلتقطت الصورة لهما سويًا، وكانت هي تنظر له بحب وهو يماثلها نفس النظرة المُحبة، قام «عامر» بإلتقاط الصورة ثم قال بصوتٍ عالٍ:

“فِـــركـــش”
إرتجف جسدها من شدة صوت «عامر» وأمسكت سترته بينما هو غمز لها بطرف عينه وقال بخبثٍ:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

إبتعدت عنه بسرعة وأخفضت رأسها في خجلٍ، بينما «عامر» قرب الهاتف في وجه «ياسين» حتى يراها، أخذ منه «ياسين» الهاتف ثم ربت على كتفه وهو يقول:

“عقبال صور فرحك إن شاء الله يا عامر”

رفع «عامر» صوته وهو يقول:
“يـــا رب، اللــهم أمين”

وقبل أن يعقب «ياسين» أتت «مُشيرة» تقول بضيق:

“إيه الصوت دا، البيت فيه ناس وسكان إحنا مش لوحدنا، وأنتِ واقفة كدا ليه ، متخافيش مش هيطير”

كان حديثها الأخير بالطبع موجهًا لـ «خديجة» التي أخفضت رأسها بحزن بينما «ياسين» نظر لـ «عامر» ثم نظر لـ «خديجة» وحينما رآى وضعها ذلك، إقترب منها يضع ذراعه على كتفها وهو يقول بتحدٍ لـ «مُشيرة»:

“والله هي مش واقفة مع حد غريب، أنا جوزها والناس كلها عارفة كدا، حضرتك عندك مشكلة أو حاجة؟”

نظرت له «مُشيرة» بضيق ولم تُعقب، بينما «ياسين» وقف مقابلًا لـ «خديجة» ثم قام بتقبيل جبينها بهدوء وهو يقول بنبرة هادئة:
“أنا همشي علشان متأخرش أكتر من كدا، وبكرة هشوفك إن شاء الله”

أومأت له وهي تبتسم بسمة هادئة مخلوطة بنظرة حزن، فأومأ لها يطمئنها ثم إبتعد عنها و وقف مقابلًا لـ «مشيرة» وهو يقول بنبرة مَرحة قاصدًا إثارة حُنقها بقوله:

“ألف مبروك يا عمتو، ربنا يديم الفرح في بيتكم يا رب”

نظرت له بضيق وهي تقول:
“إيه عمتو دي ؟ أنا مبحبهاش أصلًا الكلمة دي”

إقترب منهما «عامر» يقول بضيق مُصطنع:
“إيه عمتو دي يا ياسين؟ دي حتى كلمة سُمعتها زفت يا أخي، إحنا آسفين يا حَجّة، وألف مبروك، نجيلكم في الأفراح دايمًا يا رب”

كان حديثه ساخرًا لدرجة كُبرى جعلت «مُشيرة» تذهب من أمامهما بضيق، وثوانٍ بعد رحيلها وأنفجر الثلاثة في الضحك بعدما أنضمت «خديجة» لهما، بعد توقف الضحك، حمحم «ياسين» ثم قال:

“طب هنمشي إحنا طيب، قبل ما عمتك تحدفنا من هنا، وآه هعرف عم طه إني هنزل معاكِ بكرة، عاوزة حاجة؟”

حركت رأسها نفيًا ببسمة هادئة ثم قالت:
“عاوزة سلامتك”

أومأ لها ثم تركها ونزل للأسفل و «عامر» خلفه.
بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم إبتسمت بإتساع وصعدت إلى شقتها.
________________

في الأسفل نزل «ياسين» ومع صديقه ، ثم وقف بجوار «طه» وهو يبتسم بهدوء وقال:

“بستأذن حضرتك يا عمي معلش بكرة أنا وخديجة هننزل سوا”

نظر له «طه» بضيق ثم قال:
“ليه، ما أنتَ معاها النهاردة، خير؟”

شعر «ياسين» بالإحراج فقال بهدوء وهو مُبتسمًا:

“حضرتك عارف إن إحنا معملناش فترة خطوبة ولسه يعتبر في فترة التعارف، غير كدا إحنا مكتوب كتابنا يعني مفيش حاجة عيب أو حرام”

قبل أن يتحدث «طه» تدخل «عامر» ولكن بحكمة تلك المرة وهو يقول:

“أنا عامر يعتبر أخو ياسين، الفترة دي معلش الآنسة خديجة هتنزل كتير علشان فرحي قرب ومراتي معندهاش أخوات، وربنا يعلم بقت بتعتبر الآنسة خديجة أختها، فمعلش حضرتك تستحملنا الفترة دي”

نظر له «ياسين» بتأثر حقيقس من موقفه، بينما «طه» تبدلت نظرته إلى اللين وهو يقول:

“مفيش مشاكل يا بني، ألف مبروك ربنا يتمم بخير، المهم يا ياسين إنك تخلي بالك منها، مش هوصيك”

نظر له «ياسين» بهدوء ثم عقب قائلًا:
“من غير ما تقول يا عمي، خديجة مش محتاجة توصية من حد عليها،ومع ذلك متقلقش هي في عيني”

تنهد «طه» بأريحية ثم قال مُبتسمًا:
“ربنا يكرم أصلك يا رب يا ياسين، وهو دا اللي أنا عاوزه بس”

نظر له «ياسين» بمرحٍ ثم قال:
“يعني كدا خلاص نرجع براحتنا صح؟”

تنهد «طه» بعمقٍ ثم قال:
“أنا هسيبك لضميرك بقى في النقطة دي”

تدخل «عامر» بمرحٍ هو الأخر يضيف قائلًا:
“لأ في النقطة دي متقلقش، ياسين ضميره حي”

ضحك «ياسين» و «طه» أيضًا، فتحدث «ياسين» قائلًا:
“بس بصراحة مش حي أوي، بس هحاول حاضر”

ربت «طه» على كتفه وهو يقول:
“ربنا يطمن قلبك يا بني، أنا واثق فيك يا ياسين”

أومأ له «ياسين» مبتسمًا ثم قال:
“وربنا يقدرني وأكون قد الثقة دي يا رب”

بعد ذلك رحل «ياسين» و «عامر» أيضًا معه، بينما «طه» نظر في أثرهما ثم تنهد بأريحية وهو مُبتسمًا.

في شقة «خديجة» قامت بتبديل ثيابها ثم خرجت إلى غرفة الصالون تجلس برفقة «سلمى» و «خلود»، سألتهن هي بهدوء:
“قولولي فين باقي البيت، كلهم أختفوا مرة واحدة كدا”

أجابتها «خلود» بعدما رفعت أعينها من على هاتفها وهي تقول:
“ماما و طنط مروة و طنط سُهير نزلوا يرتبوا الشقة، وليد دخل شقتهم يرتاح، وعبلة غيرت هدومها وبترتاح شوية، وهدير هتلاقيها مرمية تحت وهدى مرتاحة علشان النونو والرجالة في المدخل قاعدين سوا”

أومأت لها «خديجة» في هدوء ثم أمسكت هاتفها تتفحصه فوجدت صورتها معه قام هو بإرسالها وقام بإرسال جملة أسفل الصورة وهي:

“لو نيل أرمسترونج أول واحد يطلع القمر، فـ العبد لله أجمد علشان أنا أول واحد يتصور معاه”

وأسفل رسالته أرسل لها رمزًا تعبيريًا يدل على غمز بطرف العين كعادته حينما يراسلها دومًا

في السيارة كان «عامر» يقودها و «ياسين» بجانبه، أخرج هاتفه ينظر في محادثتها فوجد الإشارة باللون الأزرق تدل على قراءتها للرسالة، فإبتسم هو ثم قام بإرسال:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

إبتسمت هي بهدوء ثم أرسلت:
“جدًا والله، تاخد ١٠/١٠ ونجمة في التثبيت”

أرسل لها بخبثٍ بعد قراءته رسالتها:
“وليه نجمة؟ ما تخليها ١٠/١٠ و بوسة”

توردت وجنتيها خجلًا فقامت بإغلاق المحادثة، بينما هو إبتسم على الجهة الأخرى حينما تخيل ردة فعلها ثم وضع الهاتف في سترته.

دلف «طه» الشقة بهدوء وألقى التحية على الفتيات، ولكن «خديجة» كانت في عالمٍ آخر، فلم ترد على تحيته، جلس والدها أمامها وهما على مقربة من الفتيات ينظر لها مُتعجبًا ثم قال بهدوء:

“خديجة أنتِ كويسة؟ سرحانة في إيه؟”

شعرت بالتوتر فقالت بنبرة جاهدت حتى تخرج طبيعية:
“ها..آه معلش أنا آسفة والله…كنت بس سرحانة في اليوم متزعلش مني”

نظر لها هو بتعجب من ردة فعلها المبالغ فيها ثم قال:
“لأ عادي أنا بس بطمن أشوفك سرحانة في إيه، المهم إنك كويسة”

أومأت له في هدوء ثم قالت:
“أنا…أنا كويسة الحمد لله، عن إذن حضرتك”

وقبل أن تقف قال هو بهدوء:

“أستني يا خديجة أنا عاوزك”

شعرت بالخوف يلازمها، فقالت بتوتر وهي تضم كفيها ببعضهما وظهر الإهتزاز في نبرتها:

“نـ..نعم، يا بابا، خير فيه حاجة حصلت؟”

إبتسم هو لها ثم قال:
“لأ يا خديجة، كل الحكاية بس إن الفترة الجاية ياسين ومرات صاحبه دا عاوزينك معاهم علشان الفرح، وعرفوني إنك هتنزلي معاهم، أنا قولت أعرفك”

أومأت هي له بتوتر، لاحظه هو من إرتجافة يدها، وتعرق جبينها، فإقترب منها حتى يكون على مقربة أثناء الحديث، فوجدها ترجع للخلف، أغلق هو جفونه بشدة، بينما هي إرتفعت ضربات قلبها من شدة الخوف، تنهد هو بعمقٍ ثم قال:

“أنا مش عاوزك تفضلي خايفة مني كدا، ومش عاوزك تمشي من بيتي وأنتِ بتخافي مني، ينفع يا خديجة تديني فرصة تانية؟”

إتسعت مقلتيها بشدة مما وقع على مسامعها، فهي لم تتصور أن يأتي يوم ويحادثها والدها بتلك الطريقة، كيف يريد ذلك بعد تلك الندوب التي تركها في قلبها؟، شخصت ببصرها للجهة الأخرى وهي تأخذ نفسًا عميقًا، بينما هو إنتظر إجابتها على أحر من الجمر، وحينما طال صمتها تنحنح هو حتى يلفت إنتباهها، فنظرت له مرةً أُخرى، سألها هو بهدوء:

“ها يا خديجة؟ قولتي إيه؟”

أومأت له عدة مرات بخوفٍ إلتقطه هو على الفور، فأخذ نفسًا عميقًا ثم قام وقبل قمة رأسها على الرغم من إرتجافتها من لمسته، فـ نظرت كلًا من «سلمى» و «خلود» بتعجب، نظرت كلتاهما للأخرى، بإندهاش، بينما «طه» إبتسم لها بتوتر ثم قال:

“تصبحي على خير يا..يا خوخة”

نظرت له بأعين دامعة فور نطقه لإسم تدللها في صغرها حينما كان يناديها هو به، فوجدته ينظر لها والدموع تلمع في مقلتيه، لم تستطع هي التمالك أكثر من ذلك فركضت من أمامه إلى غرفتها، نظر هو في آثرها بحزنٍ ثم تنهد بضيق وأرجع جسده للخلف على الأريكة، تحت نظرات الحزن من الفتاتين.
___________________

في شقة «وليد» كان جالسًا يتصفح هاتفه ويبدو أنه يقوم بشيئًا هامًا، ظل ينتظر لكن دون فائدة، ألقى الهاتف بجانبه ثم زفر بضيق، وإرتمى بجسده على الأريكة وهو يتذكر «عبلة» و وجودها داخل أحضانه، إبتسم رغمًا عنه ثم قال بصوتٍ عالٍ:

دا باين كدا الدنيا بتضحكلي أخيرًا، وعبلة بقت لِيك يا ليدو”

أتت والدته من الخارج بعدما دخلت الشقة بهدوء، فقالت حينما سمعته يتحدث مع نفسه:

“من أولها كدا بتكلم نفسك؟ لسه بدري يا إبن مروة”

إعتدل هو في جلسته ثم قال بمرحٍ:
“أنتِ بتقولي فيها، دا أنا خلاص على ما كتبت الكتاب كنت ضربت خلاص”

إبتسمت له والدته قالت:
“وماله طالما فرحان من قلبك خلاص، أنا ميهمنيش غير فرحتك دا أنتَ نور عيني”

قام هو و وضع ذراعه على كتفها وهو يقول:
“وأنتِ مش نور عيني بس، لأ أنتِ دنيتي كلها، أنتِ الحب القديم يا مروة”

وكزته في كتفه وهي تقول بمشاكسة:
“يا ولا، شوف النصب، قال حب قديم قال! البركة في عبلة يا..يا عنترة”

ضحك هو بصوتٍ عالٍ ثم قال:
“إزاي بس؟ أنتِ متتقارنيش بحد، أنتِ لوحدك في حتة تانية”

ربتت هي على كتفه ثم قالت:
“وأنا عارفة ومتأكدة من دا، ربنا يخليك ليا ويكمل فرحة قلبك على خير”

أحتضنها هو بقوة ثم تنهد بعمقٍ وهو يقول:
“ويخليكي ليا يا رب يا عمر وليد كله”

أتى «مرتضى» و معه «وئام» وكلاهما ينظر للأخر بتعجب حينما رآوا ذلك العناق ين الأم وصغيرها، فتحدث «مرتضى» بضيق:
“هو أنتَ علشان محضنتش مراتك، تحضن مراتي أنا؟فيه إيه ياض”

خرج «وليد» من حضن والدته وهو يقول بمشاكسة:
“ومين قالك إني محضنتش عبلة؟أنا حضنتها وطبطبت عليها، وهونت عليها كمان”

نظر له «وئام» بضيق وهو يقول:
“ما تلم نفسك يلا بقى إيه قلة الأدب دي؟”

تدخل «مرتضى» قائلًا:
“يعني جاي تحضن مراتي كمان،إرحم نفسك يا أخويا”

ترك والدته ثم إقترب من والده يحتضنه وهو يقول:
“عيب عليك يا حاج مرتضى، دا أنا طالعلك حتى”

جلس «وئام» على الأريكة وهو يقول بسخرية:
“يلهوي على البكش، عيل نصاب بياكل بعقل الناس كلها حلاوة”
نظر له «وليد» بسخرية ثم قال:
“بقولك إيه ماتروح تبات في شقتك، مش عاوزين صداع بصراحة”
شهقت والدته ثم قالت بضيق مصطنع:
“أمشي يا ولا، قال صداع قال، دا حبيب أمه أول فرحتي “

راقص «وئام» حاجبيه لأخيه ثم فتح ذراعيه وهو يقول:
“تعالي يا مروة يا روح قلبي في حضني”

قبل أن تذهب له قام «مرتضى» ووقف قبالتها وهو يقول:
“ياختي عمالة تحضني فيهم، وأنا إيه أدور على كفيل؟”

ضحك عليه أبناءه فتدخل «وليد» يقول بعدما غمز بطرف عينه:
“مش قولتلك أنا طالعلك؟”

إنتشرت الضحكات والمشاكسات في شقة «مرتضى» في جو مليءٌ بالمرحِ.
__________________

في شقة «محمود» كانت «هدير» جالسة في غرفتها بضيق وهي تهز قدميها بإنفعالٍ واضح، ثم قامت بإمساك هاتفها وجدت به رسالة من رقمٍ مجهول، قامت بالضغط على الرسالة فأُغلق الهاتف، على الفور زفرت هي بضيق ثم ألقت الهاتف على الفراش بضيق، دخلت «هدى» الغرفة وهي تقول بهدوء:

“هدير أنا عاوزة أتكلم معاكِ شوية”

زفرت «هدير» بقوة لعلها تُهدئ توترها قليلًا ثم قالت:
“تعالي يا هدى، خير فيه حاجة؟”

جلست «هدى» أمامها على الفراش ثم قالت:
“آه فيه، إيه اللي حصل بينك وبين عبلة، وقبل ما تسألي عرفت منين، شكلكم باين، من إمتى وأنتم بعاد عن بعض كدا؟”

شعرت «هدير» بالضيق فقالت وهي منفعلة:
“عادي يعني مفيش حاجة، كل الحكاية إن كتب الكتاب جه مفاجأة ومكناش عاملين حسابنا”

رفعت «هدير» حاجبها وهي تقول:
“إيه اللي دخل كتب الكتاب في اللي بقوله، أنا بقولك عبلة شكلها متضايق منك ليه؟”

وقفت «هدير» متأهبة وهي تقول بضيق:
“معرفش هي عندك أبقي أسأليها هي، أنا مليش دعوة”

وقفت «هدى» هي الأخرى وقالت:
“يعني هي فعلًا زعلانة؟ أتمنى بقى تكوني معملتيش حاجة ليها”

نظرت لها «هدير» بإنفعال وهي تقول:
“آه هي بقت سلفتك، وأنتِ خايفة على زعلها علشان زعل المحروس جوزك، لما يزعل على أخوه صح؟”

نظرت لها أختها بإندهاش وهي تقول:
“إيه الهبل دا؟ أنا خايفة عليكِ أنتِ وعلى منظرك قدام الناس، مهما كانوا غاليين عندي أنتِ أختي يعني أغلى الناس على قلبي”

نفخت «هدير» بضيق وهي تقول:
“بقولك إيه أنا مش عاوزة فلسفة، أنا همشي من وشك”

تكلمت «هدى» بنبرة جامدة وهي تقول:
“أستني عندك رايحة فين؟”

إبتسمت لها «هدير» بإستفزاز ثم قالت:
“نازلة أبات عند عمتو، خير عندك إعتراض”

إبتسمت «هدى» بسخرية ثم قالت:
“آه قولي كدا، عمتو، براحتك يا هدير وخلي عمتك تدلع فيكِ براحتها، كدا كدا أنتِ اللي هتخسري”

تركتها «هدير» وهي تقول:
“سبتلك أنتِ المسكب يا هدى”

نظرت أختها في أثرها بحزن ثم حركت رأسها بيأس.

في شقة «مرتضى» قفز «وليد» من على الأريكة حينما وصله الإشعار الذي يريده، أمسك هاتفه وهو يبتسم ثم جلس مرةً أُخرى وهو يتنهد بأريحية، ضُرب جرس الباب، فتحدث «وئام» بصوتٍ عالٍ من غرفته:
“إفتح الباب يا وليد، دي شكلها هدى”

قام «وليد» وفتح الباب ثم وقف قبالتها يقول بإستفزاز:
“خير جاية عندنا ليه؟ معندكوش شقة تباتي فيها”

إبتسمت له هي الأخرى بإستفزاز وهي تقول:
“عندنا بس جاية أبات مع جوزي خير عندك مانع؟”

أومأ لها ثم قال بنفس النبرة المستفزة:
“آه، عندي مانع ماما قالتلي متدخلش الرخمين شقتنا”

حركت رأسها بيأس وهي تبتسم رغمًا عنها ثم قالت:
“والله أنا مصدعة مش قادرة أناهد فيك، وعندي طلب منك، طول فترة حملي بالله عليك إبعد عني علشان اللي في بطني ميبقاش نسخة منك”

إعتدل في وقفته ثم قال بجدية:
“لأ في دي معاكِ حق، مرضهاش لكِ دي”

دخلت الشقة وهي تبتسم بينما أوقفها هو بقوله:
“هدى، هي هدير أختك فين؟”

نظرت له بتعجب وهي تقول:
“هدير عند عمتو مُشيرة، بتسأل ليه؟”

حمحم هو ثم قال بجدية:
“لأ عادي أصل لقيتها أختفت مرة واحدة كدا”

أومأت له بهدوء ثم دخلت الغرفة لزوجها، بينما هو دخل
المطبخ ثم قام بفتح الثلاجة، رفع حاجبه وهو يقول مُبتسمًا بخبثٍ:
“إستعنا على الشقا بالله، يا كريم يا رب”

في شقة «مُشيرة» جلست بجانب «هدير» وهي تُربت على كتفيها ثم قالت:
“روقي يا هدير وسيبك منهم، خليكِ معايا هنا، وفوقيلي كدا، علشان نفوق للعيلة دي”

أومأت لها «هدير» ثم قالت بغلٍ:
“أنا أصلًا عاملة حسابي، متقلقيش، والله ما هسيب حقي”

وفجأة طُرق باب الشقة، قامت «هدير» و فتحت الباب وتفاجأت بـ «وليد» يقف أمامها مُبتسمًا بإستفزاز، بينما هي قالت:
“خير، جاي ليه،”

فتح هو الباب بكفه الأخر، حيث كان الثاني يحمل به طبقًا، دخل ووقف أمام عمته ثم قال:

“يا مساء الأناناس على أطيب الناس”

نظرت له عمته بضيق وقالت:
“خير يا أستاذ وليد نعم؟ لك حاجة عندنا؟”

أومأ لها مُبتسمًا، فوقفت «هدير» بجانب عمتها ثم أشارت برأسها إلى ما يحمله بيده وقالت:

“إيه اللي أنتَ جايبه في إيدك دا؟”

نظر هو للطبق ببراءة مصطنعة ثم قال:
“دا جاتوه، أصل مينفعش عمتو و تربية عمتو مياكلوش من جاتوه فرحي، عيبة والله”

ردت «مُشيرة» عليه بضيق:
“شكرًا يا سيدي مش عاوزين منك حاجة، وألف مبروك”

جلس على الأريكة ثم وضع قدمًا فوق الأخرى وهو يقول:

“الله يبارك فيكِ يا عمتو يا رب، المهم علشان مطولش عليكم، أنا كنت جاي أقولكم إن اللي حصل كله أنا كنت عارف إنه ميخرجش براكم، ودا مش ذكاء مني لا سمح الله، إنما توقعات”

نظرت كلتاهما للأخرى بتعجب، بينما هو غمز بطرف عينه وقال:
“بصراحة كدا خطة فاشلة وخارجة من فيلم هندي، أو يمكن أنا اللي رد فعلي مختلف عن توقعاتكم، الله أعلم”

نظرت له «مُشيرة» بحنق وهي تقول:
“طب يا سيدي ألف مبروك، أنتَ كسبت، خير؟”

وقف يهندم ملابسه البيتية بغرورٍ مُصطنع، ثم قال:
“أنا بس حبيت أعرفكم إني سابقكم بكام خطوة، يعني يا أستاذة هدير، موبايلك بقى يصعب على الكافر”

نظرت به بتعجب ممزوج بالسخرية وهي تقول:
“ودا من إيه بقى يا عم المؤمن؟”

غمز لها بطرف عينه ثم قال:
“مش أي لينك يجيلك فيه عروض ميك اب تفتحيه، أصل فيه ولاد مفترية بيهكروا التليفونات، ومنهم واحد إسمه وليد”

أمسكت هاتفها بسرعة كبيرة تتفحصه ثم رفعت رأسها تنظر له وهي تقول:
“يعني إيه ، قولي أنتَ عملت إيه”

إبتسم بتكبر ثم قال:
“كل حاجة تخص عبلة مــراتـي راحت من عاى تليفونك حتى رقمها، أصل أنا مش ضامن ممكن تعملي إيه بالصور ديه”

نظرت هي لـ عمتها بإندهاش، بينما عمتها إبتسمت بتهكم ثم قالت:
“تصدق بالله، أنا دلوقتي صدقت إنك تربية زينب، ماهو الخبث دا ميطلعش من مروة، زينب طلعت نسخة منها بس على أصعب”

أصدر صوتًا من فمه يدل على النفي ثم أشار لها بإصبعيه حتى تقترب منه ففعلت هي ما يريد، مال هو برأسه على أذنها وقال:
“أنتِ فاهمة غلط خالص، دي زينب أغلب من الغُلب، الخبث دا دم مُشيرة اللي بيجري في دمي، ماهو أنتِ عمتي برضه”

غمز لها ثم إبتعد عنها حتى يذهب إلى باب الشقة، لكنه إلتفت إليها مرةً أُخرى وهو يقول:
“آه بألف هنا وشفا صحيح، قصدي الجاتوه طبعًا ثم غمز لهن، نظرت كلتاهما للأخرى بضيق، بينما هو أخرج ميدالية مفاتيحه يلفها على إصبعه وهو يُدندن ويراقص جزعه العلوي:

“كتبوا كتابك يا نقاوة عيني، أحلى كلام بينك يا حلوة بيني،
جه اليوم اللي تكوني فيه حلالي، ما أنا أصلي طيب وأمي دعيالي”

إلتفت ينظر لهن مرةً أُخرى ثم قال وهو يراقص حاجبيه:
“آه ، هستنى رأيكم في الجاتوه”

قال جملته ثم غادر الشقة، وتركهن خلفه وعلامات الصدمة تعتلي ملامح وجه كلتاهما
__________________

أنتهت تلك الأمسية بصراعاتها، وحل اليوم التالي وكان كل شيئًا على طبيعته، حيث ذهب رجال العائلة إلى عملهم وكذلك الشباب أيضًا، بينما «خديجة» كانت تفكر طوال الليل في حديث والدها، وهي تشعر بالذنب من معاملتها له، وفي نفس الوقت ترى نفسها مُحقة في حق نفسها، بدا الإرهاق على وجهها بوضوح من كثرة التفكير، مر يومها بهدوء بعدما شاركت والدتها في بعض الأعمال المنزلية، ثم جلست فى غرفتها حتى إقترب موعدها المحدد مع الطبيبة، إرتدت ثيابها  ثم جلست تنتظر مهاتفته لها، وفي خلال دقيقة أضاءت شاشتها برقمه، فتنهدت هس بعمقٍ ثم نزلت له

نزلت بوجهٍ حزين فوقفت أمامه دون أن تبتسم له كما تفعل دومًا، فنظر هو لها بتعجب ثم قال:

“يا ستار يا رب، مالك؟ إتحسدنا ولا إيه؟”

حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“مفيش حاجة أنا كويسة متقلقش”

نظر لها يتفحصها، فعلم أنها ليست على ما يُرام، لذلك تنهد بعمقٍ ثم قال:

“طيب وأنا هعمل نفسي مصدقك لحد بس بعد الجلسة، بعدها فيه كلام تاني”

أومأت له ثم ركبت السيارة في هدوء نظر هو عليها بتعجب ثم ركب السيارة، وبعد مرور دقائق من القيادة أوقف السيارة أسفل البناية التي تقع فيها العيادة، نزلت هي من السيارة، ثم نزل هو خلفها، دخلت للطبيبة بهدوء أيضًا دون أن تحادثه، بينما هو حك فروة رأسه بحيرة ثم جلس ينتظرها بهدوء.

داخل العيادة، لاحظت الطبيبة التغير الذي طرأ عليها، فبدت هي وكأنها في أول جلسات علاجها فسألتها بهدوء:

“مالك يا خديجة؟ إيه اللي حصل أو إيه اللي إتقالك وصلك لكدا؟”

أخذت «خديجة» نفسًا عميقًا ثم قصت عليها ما حدث من والدها، وقصت ردة فعلها على حديثه لها، تفهمت الطبيبة ما تشعر به فقالت:

“طب وأنتِ إيه تحديدًا اللي مزعلك؟ كلامه ولا تصرفك؟”

حركت «خديجة» كتفيها بهدوء وقالت بنبرة أوشكت على البكاء:
“مش عارفه بس يمكن زعلت علشان مقدرتش أفرح بتصرفه، أو يمكن علشان عشمت نفسي أني لما أتعالج هنسى، أو يمكن نظرة الندم في عينه خلتني أحس بالذنب، ويمكن زعلت من نفسي علشان اتعاطفت معاه، بس الغالب في كل دا إن أنا مش مبسوطة، أنا جوايا نصين نص فرح أوي لما سمع منه كلمة خوخة، ونص تاني صعبت عليه نفسه”

وضعت الطبيبة الدفتر من يدها ثم قالت بحكمة:
“أنا مقدرش أقولك هتنسي وتعدي، لكن هقولك حكمة جميلة إذا لم تستطع تغير الواقع فإستمتع، يعني لو مش هتقدري تنسي يبقى تأقلمي، يعني واحدة واحدة ساعدي نفسك يعني إنك تسامحيه حتى لو دا صعب عليكِ، بس افتكري إنك تستاهلي حياة حلوة”

نظرت لها «خديجة» بسرعة كبيرة ثم قالت:
“بس دا صعب عليا، أنا مش هقدر أبذل مجهود أكبر من طاقتي، أنا لسه بخاف منه، صعب أنسى كل اللي حصل وأتعامل عادي”

إقتربت منها الطبيبة وهي تقول:
“أنا مقولتش تبذلي مجهود، أنا بقولك تحاولي تساعدي نفسك، إفتكري إنك دلوقتي خفيتي بنسبة ٤٠٪ يا خديجة، ودا حصل في وقت قياسي”

نظرت لها «خديجة» بتعجب وهي تقول:
“٤٠٪، كل دا و ٤٠٪ بس؟”

أمأت لها الطبيبة ثم قالت بهدوء:
“آه، علشان لسه محصلش محادثات خارجية، لسه مبقاش فيه أصدقاء، ولسه حاجات كتير”

سألته«خديجة» مستفسرة:
“زي إيه؟ وبعدين هو فاضل كتير؟”

أومأت الطبيبة ثم قالت:
“أنتِ لسه بتخافي تتكلمي يا خديجة مع حد غريب عنك، ساعات يا خديجة تلاقي طالب مجتهد جدًا ودماغه حلوة أوي بس بمجرد ما يقوم علشان يجاوب تلاقيه أتوتر وخاف ،وعرق جامد، وساعات طالب تاني يكون ميعرفش حاجة بس بكلمتين منه للمدرس يقدر يطلع من الموقف المحرج دا، وزيه برضه في الشغل تلاقي واحد مبدع وأفكاره عظيمة بس مقدرش يواجه وضيع على نفسه الفرصة، عارفة الفرق بين اللي بيتكلم وبين اللي بيتحرج إيه؟”

حركت «خديجة» رأسها نفيًا بهدوء، فأضافت الطبيبة قائلة:
“زي بالظبط الفرق بين طفل متكتف، وطفل تاني بيلعب جنينة، هي نفس الفكرة، اللي بيتوتر ويخاف دا ماخدش فرصته في التعبير والكلام، والتاني دا إتعود يتكلم ويعبر حتى لو غلط، هو بيتلعم وخلاص، إحنا بقى عاوزينك تتكلمي يا خديجة”

سألتها «خديجة» بنبرة هادئة:
ودا ينفع أصلًا؟ وهل طريقته سهلة؟”

أومأ الطبيبة ثم قالت بهدوء:
“طبعًا ينفع، مفيش حاجة صعبة على الي بيحاول يوصل، قوليلي بس أنتِ إيه أكتر حاجة بتضيعي فيها وقتك؟”

حركت «خديجة» كتفيها ثم قالت بهدوء:
“مش حاجة محددة بس ممكن القراءة، بحب أقرأ كتير”

أومأت الطبيبة بإعجاب ثم قالت:
“عظيم جدًا، أنا بقى هستغل أكتر حاجة بتحبيها في علاجك،يعني أنتِ هتختاري كتاب على ذوقك وتقرأيه، المطلوب منك بقى بعد قرائته إنك تعملي ملخص عن أفكار الكتاب دا وعن الحاجات اللي لفتت نظرك فيه، وبعدها تتناقشي مع نفسك في النقط المهمة اللي لاحظتيها، وبعد كدا هتناقشيه بس مش لوحدك”

سألتها «خديجة» بتعجب:
“أومال مع مين؟”

إبتسمت الطبيبة ثم قالت:
“معايا أنا و ياسين”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى